سورة الأنعام
سورة الأنعام إحدى الصور المكية الطويلة التي يدور محورها حول العقيدة وأصور الإيمان وهي تختلف في أهدافها ومقاصدها عن السور المدنية ، فهي لم تعرض لشيء من الأحكام التنظيمية لجماعة المسلمين، كالصوم والحج والعقوبات وأحكام الأسرة، وإنما تناولت القضايا الكبرى الأساسية لأصور العقيدة والإيمان، وهذه القضايا يمكن تلخيصها فيما يلي:
1-قضية الألوهية
2-قضية الوحي والرسالة
3-قضية البعث والجزاء
* نجد الحديث في هذه السورة مستفيضاً يدور بشدة حول هذه الأصول الأساسية للدعوة الإسلامية، ونجد سلاحها في ذلك الحجة الدامغة، والدلائل الباهرة، والبرهان القاطع في طريق الإلزام والإقناع لأن السورة نزلت في مكة على قوم مشركين. ومما يلفت النظر في السورة الكريمة أنها عرضت لأسلوبين بارزين لا نكاد نجدهما بهذه الكثرة في غيرهما من السور هما: 1- أسلوب التقرير، 2- أسلوب التلقين.
--أما أسلوب التقرير: فإن القرآن يعرض الأدلة المتعلقة بتوحيد الله والدلائل المنصوبة على وجدوده وقدرته، وسلطانه وقهره، في صورة الشأن المسلم، ويضع لذلك ضمير الغائب عن الحس الحاضر في القلب الذي لا يماري فيه قلب سليم ولا عقل راشد في أنه تعالى المبدع للكائنات صاحب الفضل والأنعام فيأتي بعبارة((هو)) الدالة على الخالق المدبر الحكيم، استمع قوله تعالى
{هو الذي خلقكم من طين} .. {وهو الله في السماوات والأرض} .. {وهو الذي يتوفاكم بالليل} .. { وهو القاهر فوق عباده} .. { وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق......}
--أما الثاني (أسلوب التلقين) فإنه يظهر جلياً في تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم تلقين الحجة ليقذف بها في وجه الخصم بحيث تأخذ عليه سمعه، وتملك عليه قلبه فلا يستطيع التخلص أو التلفت منها، ويأتي هذا الأسلوب بطريق السؤال والجواب يسألهم ثم يجيب استمع إلى الآيات الكريمة
{قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة} .. { قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم .......}
وهكذا تعرض السورة الكريمة لمناقشة المشركين وإفحامهم بالحجج الساطعة والبراهين القاطعة التي تقصم ظهر الباطل.
ومن هنا كانت سورة الأنعام بين السور المكية ذات شأن في تركيز الدعوة الإسلامية، تقرر حقائقها، فهي تذكر توحيد الله جل وعلا في الخلق والإيجاد، وفي التشريع والعبادة، وتذكر موقف المكذبين للرسل وتقص عليهم ما حاق بأمثالهم السابقين، وتذكر شبههم في الوحي والرسالة وترشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى إتباع هداهم وسلوك طريقهم في احتمال المشاق وفي الصبر عليها، وتعرض لتصوير حال المكذبين يوم الحشر،
وتفيض في هذا بألوان مختلفة ثم تعرض لكثير من تصرفات الجاهلية التي دفعهم إليها شركهم فيما يختص بالتحليل والتحريم وتقضي عليه بالتفنيد والإبطال،
ثم تختم السورة بعد ذلك – في ربع كامل – بالوصايا العشر التي نزلت في كل الكتب السابقة، ودعا إليها جميع الأنبياء السابقين{ قل تعالوا ما حرم ربكم عليكم.. } وتنتهي بآية فذة تكشف للإنسان عن مركزه عند ربه في هذه الحياة، وهو أنه خليفة في الأرض، وأن الله سبحانه قد فاوت في المواهب بين أفراد الإنسان لغاية سامية وحكمة عظيمة وهي ( الابتلاء والاختبار) في القيام بتبعات هذه الحياة، وذلك شأن يرجع إله كما له المقصود من هذا الخلق وذلك النظام
* التسمية: سميت سورة الأنعام لورود ذكر الأنعام فيها{ وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً } ولأن أكثر أحكامها الموضحة لجهالات المشركين تقرباً بها إلى أصنامهم مذكورة فيها، ومن خصائصها ما روي عن ابن عباس أنه قال: نزلت سورة الأنعام بمكة ليلاً جملةً واحدة، حولها سبعون ألف ملك يجأرون بالتسبيح.